عندما تتحوّل الودائع إلى "ندوب"
لبنانون فايلز -

كتبت زينب بزي في الاخبار - «عم فتش على شغل ولو كان ناطور»، بهذه العبارة اختصر أحد المودعين حال كثر. يعود هذا الجرح المفتوح ليكشف بعد ستّ سنوات، عن حجم المأساة التي أصابت صغار المودعين وأولئك الذين أفنوا عمرهم في الادخار.

تغوّل السلطة في فتح هذا الجرح يعود إلى أنها تنوي شطب 30 مليار دولار من الودائع لإعادة التوازن إلى ميزانيات مصرف لبنان والمصارف، وهذا ما يتّضح من مشروع قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع الذي سيُحال إلى مجلس النواب قريباً، إذ يتضمن تسديد أول 100 ألف دولار من كل الودائع ضمن مدى زمني يبلغ أربع سنوات، تسترد ما تبقى منها بعد الشطب على شكل سندات تستحق بعد 10 و15 و20 سنة، ما يعني استبدال الوديعة النقدية بعد «قصّها» بالتزام مؤجّل التسديد وينطوي على خسارة مؤكدة. قانون كهذا يتعامل مع الوديعة كقيمة مؤجلة يمكن إعادة توزيعها زمنياً بدلاً من أن تكون حقّاً. بهذا المعنى، يخشى كثيرون من أن يكون المشروع بصيغته الحالية أقرب إلى تنظيم نتائج الانهيار على حساب المودعين، لا إلى تصحيح الخلل.

مأساة المودعين متكرّرة مهما تعدّدت الروايات. أحدهم (تحفّظ عن ذكر اسمه) هو موظف متقاعد في العقد السادس من العمر، بدأ يدّخر منذ الثمانينيات أملاً في تأمين شيخوخته، لكن انتهى الأمر بخسارة فادحة لمدّخراته وتعويض نهاية خدمته. لم تعد لهما أي قيمة شرائية معتبرة بعد سنوات من العمل. وها هو يجد نفسه «متسوّلاً» يطلب من معارفه في الخارج تأمين أدويته. يبحث عن عمل، لكن لا أمل حتى في أن يكون «ناطور» بناية. مفارقة تختصر مفاعيل الانهيار على المجتمع.

أما رامي سليمان الغندور الذي أمضى حياته في التجارة بين لبنان وألمانيا وأفريقيا والكويت، فقد خسر ما يزيد على 3 ملايين دولار جمعها خلال عقدين من العمل. بالنسبة إليه، لم تعد المسألة مالية فقط، بل تحوّلت إلى قطيعة كاملة مع فكرة البقاء في لبنان.

وقد استخدم كل الوسائل لمعرفة مصير ودائعه، من ممارسة «الشغب»، إلى التفاوض مع مديري المصارف، وصولاً إلى تقديم دعوى ضد حاكم مصرف لبنان كريم سعيد شخصياً، إلا أنّ جميعها باء بالفشل. وحتى محاولاته لتحويل أمواله إلى الخارج قبل الأزمة أُحبطت بعدما غشّته المصارف بـ«تطمينات» تفيد بأن ودائع الدولار آمنة. أما اليوم، فهو يقولها صراحة: «استعادة جزئية للأموال لن تغيّر قرار مغادرة البلد. هلق يعطوني 300 أو 400 ألف دولار من وديعتي لخزّق الهوية اللبنانية ومعش بدي لبنان نهائياً».

يبحث بعض المودعين في قرارة أنفسهم عن أسباب لتبرير ما حصل، علّهم يقبلون به، لكنهم لا يجدون. من بين هؤلاء أحمد سويد الذي أودع أكثر من 800 ألف دولار لتسيير أعماله، لكنه يعيش حالة إنكار ممزوجة بإصرار. فيؤكد أنّ الحلول التقنية موجودة، لكن القرار السياسي غائب. حتى تطبيق التعاميم السارية لم يَسلم من العراقيل. وهذا ما دفعه نحو مسار قضائي، رغم شكوكه بفعاليته، انطلاقاً من قناعة بأنّ الدولة ليست مفلسة بل منهوبة، وأن استعادة الحقوق مرتبطة حصراً بتبدّل الإرادة السياسية. الآن فوجئ الرجل بمشروع القانون الذي لا يسائل المصارف، ولا يبحث عن أي جانٍ، بل يفتح باب التسوية والتوبة.

أيضاً، تختصر شهادة منى محاسب، جانباً آخر من المأساة. فهي عملت لسنوات في الخارج، واعتقدت، كما كثيرون، أنّ المصرف هو المكان الأكثر أماناً لحفظ المال. لكن المفارقة، كما تقول، إنّ هذا الخيار المبني على الثقة، تحوّل إلى مصدر الخسارة الأكبر» بعد الانهيار فقدت ثقتها بالدولة والمصارف والقضاء، وصولاً إلى الوطن نفسه.

لم تلجأ إلى القضاء، انطلاقاً من قناعة راسخة بأنّ العدالة في قضايا المودعين ما تزال معطّلة. وتشير إلى أنّ السحوبات التي فُرضت وفقاً لتعاميم مصرف لبنان، مع اقتطاعات غير مباشرة وصلت في بعض الحالات إلى نحو 85% من القيمة الفعلية للودائع، عمّقت الخسائر.

The post عندما تتحوّل الودائع إلى "ندوب" appeared first on أخبار الساعة من لبنان والعالم بشكل مباشر | Lebanonfiles | ليبانون فايلز.



إقرأ المزيد