الكونغرس يفكّ أسر الاقتصاد السوري: رفع "قيصر" ينهي العزلة
لبنانون فايلز -

بعد سنوات من العقوبات المشددة، جاء القرار الأميركي الأخير ليقلب المعادلة؛ إلغاء قانون قيصر لم يعد مجرد خبر سياسي، بل بداية مرحلة جديدة في الاقتصاد السوري والسياسة الإقليمية؛ في خطوة فاجأت الجميع، صوت مجلس النواب لصالح رفع العقوبات، في حين يترقب المستثمرون والفاعلون الاقتصاديون انعكاسات هذا القرار على الأسواق المحلية وقطاع النفط والطاقة الذي يعاني منذ سنوات.

إلغاء القانون.. فرصة اقتصادية حقيقية

يمثّل رفع قيصر نقلة نوعية في مناخ الاستثمار السوري؛ إذ إن الشركات الأجنبية لم تعد مضطرة لمراعاة قيود قانونية صارمة، وقطاع النفط والطاقة يفتح ذراعيه لإعادة تشغيل الحقول وإصلاح البنية التحتية المتضررة؛ أما المصرف المركزي السوري فـيرى في هذه الخطوة فرصة لإعادة الدمج مع النظام المالي العالمي واستعادة السيولة النقدية، لكن هذا التقدم مشروط بإصلاحات مصرفية وتشريعية لضمان جذب الاستثمارات بشكل آمن.

نقطة تحوّل للاقتصاد السوري

في حديثه مع "المدن"، يعتبر الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي أن إلغاء قانون قيصر يشكّل نقطة تحوّل في مسار الاقتصاد السوري، إذ يفتح الباب أمام عودة البلاد إلى المنظومة المالية والتجارية العالمية بعد سنوات من العزلة.

ويشير قوشجي إلى أن القطاع المصرفي سيستفيد مباشرة من التحرر من القيود، ما يعيد ربط البنوك السورية بالنظام المالي الدولي ويتيح تدفق التحويلات والاستثمارات، بما يعزز الثقة ويزيد القدرة على تمويل المشاريع. أما التجارة والاستثمار، فبحسب قوشجي "إزالة العوائق القانونية تسهّل حركة السلع ورؤوس الأموال، وتجعل السوق السورية أكثر جاذبية للشركات الإقليمية والدولية، كما يفتح رفع العقوبات المجال أمام تمويل خارجي لمشاريع البنية التحتية والطاقة والخدمات، ما يسرّع عملية إعادة البناء".

وعلى المستوى المعيشي، يتوقع قوشجي أن يلمس المواطن تحسّنًا في الدخل والقدرة الشرائية مع توافر فرص عمل جديدة وتحسن الخدمات الأساسية. ويخلص الخبير إلى أن إلغاء قانون قيصر ليس مجرد رفع للعقوبات، بل بداية مسار تعافٍ اقتصادي شامل يعيد لسوريا موقعها الطبيعي كاقتصاد منفتح وقادر على جذب الاستثمارات، ويمنح مواطنيها فرصة لاستعادة الاستقرار المعيشي والاندماج مجددًا في الاقتصاد الإقليمي والدولي.

رفع العقوبات مشروط بالمراقبة

ورغم إلغاء قانون قيصر، لا يعني القرار فتح الباب أمام سوريا بلا قيود؛ فالقانون الجديد يشترط على الحكومة السورية الالتزام بمعايير محددة، تشمل مكافحة الإرهاب، حماية الأقليات الدينية والعرقية، عدم شن هجمات أحادية على الجيران، وإحالة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة إلى المحاكمة.

ووفق النص القانوني لإلغاء قيصر، فإن الكونغرس سيبقى على تواصل دوري مع الإدارة الأميركية لتقويم الالتزام، مع إمكانية إعادة العقوبات إذا لم تتحقق الشروط؛ هذه الآلية تمنح القرار بعدًا عمليًا، إذ يربط بين رفع العقوبات وتعزيز الثقة الاقتصادية والسياسية، ما يجعل المستثمرين أكثر اطمئنانًا قبل ضخ رؤوس الأموال وإعادة الإعمار.

رفع قيصر خطوة أولى بحذر

من جهته، يشدد الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس النهضة السوري عامر ديب على أن الحديث عن إزالة قانون قيصر يستلزم تفاؤلًا حذرًا؛ ويقول: "إن رفع العقوبات لا يعني نهضة اقتصادية فورية أو تحسّن المعيشة بين ليلة وضحاها، ولا يؤدي تلقائيًا إلى انخفاض سعر الصرف أو التضخم كما يتم الترويج له في بعض الحملات الإعلامية".

ويضيف ديب في حديثه مع "المدن" أن الاقتصاد السوري ما زال هشًا رغم جميع مذكرات التفاهم الموقعة، وأن نجاح أي رفع للعقوبات مرتبط بضرورة إصلاحات اقتصادية ومؤسساتية شاملة تقوم على نظام حوكمة شفاف، تشمل تنظيم قطاع الاستثمار والتجارة، إعادة هيكلة القطاع الصناعي والتجاري، وتعزيز دور القطاع الخاص الذي لا يزال يفتقر إلى أدوات فعالة.

كذلك يشير إلى أن إزالة العقوبات مشمولة بشروط واضحة، وأن أي خطوة فعلية يجب أن تُدرس في سياق انتظار تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي، "الذي قد يعرقل القرار".

وبالنسبة للمواطن السوري، يرى ديب أن المرحلة الحالية تحتاج صبرًا ومتابعة دقيقة للتنفيذ، مع الالتزام بتطبيق المراسيم والقرارات الناظمة للحياة الاقتصادية، مؤكدًا أن رفع العقوبات هو بداية الطريق لإعادة بناء الاقتصاد وتهيئة أرضية للنمو المستدام، وليس الحل النهائي لكل التحديات المعيشية.

تداعيات على الأسواق والإقليم

وبناء عليه، لن يؤثر إلغاء قيصر على سوريا وحدها، بل على الاقتصاد الإقليمي كله؛ لبنان والأردن والعراق يمكن أن يستفيدوا من فتح خطوط تجارة قانونية ومنتظمة مع سوريا، خصوصًا في مجال الطاقة والتجارة البينية؛ من جهة أخرى، سيراقب المستثمرون الإقليميون والدوليون عن كثب قدرة الحكومة السورية على تنفيذ الإصلاحات واستعادة الثقة في الاقتصاد قبل ضخ رؤوس الأموال الكبيرة.

في المحصلة، يبقى الاقتصاد السوري أمام تحديات ضخمة: هبوط العملة، عجز الميزان التجاري، وبنى تحتية متضررة. لكن رفع العقوبات، رغم كونه مشروطًا ويحتاج متابعة دقيقة، يوفر نافذة غير مسبوقة للاستثمار وإعادة الإعمار. ومع الالتزام بالإصلاحات الاقتصادية والمؤسساتية، يمكن أن تصبح سوريا تدريجيًا مركزًا تجاريًا وإقليميًا للطاقة والاستثمارات، لتعيد لمواطنيها فرص العمل وتحسّن القدرة الشرائية؛ وإلى ذلك، يبقى الطريق طويلًا، لكن رفع قيصر هو البداية الواقعية لمرحلة جديدة من الانفتاح الاقتصادي والمجتمعي، حيث تصبح المشاركة المحلية والدولية في التنمية ممكنة أكثر من أي وقت مضى.

رهام علي - المدن

The post الكونغرس يفكّ أسر الاقتصاد السوري: رفع "قيصر" ينهي العزلة appeared first on أخبار الساعة من لبنان والعالم بشكل مباشر | Lebanonfiles | ليبانون فايلز.



إقرأ المزيد