نهج جديد لقياس مساهمة السياحة في نمو اقتصادات الخليج
بتوقيت بيروت -

تبرز الحاجة في سياق العمل المشترك بين دول الخليج العربي إلى اعتماد نهج جديد لقياس مساهمة السياحة في الاقتصاد، لا يقتصر على الإيرادات المباشرة، بل يشمل الأثر غير المباشر على القطاعات المرتبطة بها.

ويسعى هذا النهج إلى تقديم صورة أكثر دقة وشمولاً لدور السياحة في تحفيز النمو وتوليد فرص العمل، بما يعزز من فاعلية السياسات والتخطيط طويل الأمد في هذا القطاع الحيوي.

وأكدت حلقة العمل الإقليمية حول “قياس مساهمة السياحة في الاقتصاد”، التي نظمها المركز الإحصائي لدول الخليج الأحد في مسقط، على ضرورة تبنّي منهجيات شاملة، بما يوفّر صورة أكثر دقة وشمولية عن الدور الحقيقي للقطاع في دعم الاقتصادات الخليجية.

ورأى المشاركون في الحلقة، التي أشرف عليها وزير التراث والسياحة العماني سالم المحروقي، أن هذا التمشي سيساعد في صياغة سياسات فعّالة تستند إلى الأدلة والبيانات الإحصائية الموثوقة.

ودارت النقاشات بين مختصين وخبراء الأجهزة الإحصائية والجهات المعنية في المنطقة، إلى جانب ممثلين من منظمات دولية وإقليمية حول مفاهيم قياس السياحة وفق المعايير الدولية وآليات ربط البيانات الإحصائية والسجلات الإدارية المتعلقة بالزوار والإنفاق.

وتطرقوا إلى أهمية التكامل بين المصادر المحلية لكل بلد بغية تقدير الأثر المباشر وغير المباشر للسياحة على الناتج المحلي الإجمالي وفرص العمل.

ونسبت وكالة الأنباء العمانية الرسمية إلى المحروقي قوله إن “موضوع الحلقة يأتي في توقيت بالغ الأهمية مع ما يشهده القطاع في المنطقة من نموّ متسارع وتحول نوعي في البنية والخدمات والاستثمار”.

وأشار إلى أن تحقيق هذا الدور “يتطلب نظمًا إحصائية دقيقة وموثوقة تمكّن من قياس القيمة الحقيقية لمساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي وفي الاقتصاد بشكل عام”.

وتولي حكومات الخليج صناعة السياحة مكانة محورية ضمن إستراتيجيات التنويع الاقتصادي، إدراكا لدوره في توفير فرص العمل، وتحفيز القطاعات الإنتاجية والخدمية، وتعزيز استدامة التنمية.

وقالت انتصار بنت عبدالله الوهيبية المديرة العامة للمركز الإحصائي الخليجي إن “السياحة الخليجية شهدت نموًّا ملحوظًا في السنوات الأخيرة”.

ونما عددُ السياح الدوليين القادمين إلى دول الخليج بنسبة 51.5 في المئة مقارنةً بعام 2019، ليصل إلى 72.2 مليونا في عام 2024.

كما بلغت إيرادات القطاع نحو 119.6 مليار دولار ، ممثلةً ما نسبته 7.5 في المئة من الحصة العالمية للعائدات السياحية.

وأشارت الوهيبية إلى ما حققته دول الخليج من أداءٍ متميّزٍ في مؤشر تنمية السفر والسياحة لعام 2024، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، ليعكس ما تبذله من جهودٍ متواصلةٍ للنهوض بالقطاع وتعزيز تنافسيته إقليميا ودوليا.

وقالت “هذا التقدّم ثمرة لسياسات طموحة ورؤى إستراتيجية ركّزت على تطوير البنية الأساسية السياحية، وتنوّع التجارب السياحية، إلى جانب استضافة الفعاليات العالمية الكبرى التي رسّخت مكانة المنطقة كوجهة جاذبة ومؤثرة في خارطة السياحة الدولية”.

وبيّنت أن تطوير وتوحيد العمل الإحصائي في دول الخليج يُعد أحد الأهداف الرئيسة في الخطة الإستراتيجية للعمل الإحصائي الخليجي المشترك.

وسيكون ذلك من خلال تبنّي أحدث المعايير والمنهجيات الدولية، وبناء القدرات في المجالات ذات الأولوية، ومن ضمنها إحصاءاتُ السياحة، التي تمثل محورًا أساسيًا في دعم الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير فرص العمل، وتعزيز التنوع الاقتصادي، وفق الوهيبية.

وفي تقرير نشر العام الماضي، توقعت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية أن ترتفع مساهمة السياحة في الناتج الإجمالي لدول المنطقة بواقع 161.5 في المئة على أساس تراكمي إلى أكثر من 340 مليار دولار بحلول 2030، لتشكل 10 في المئة من اقتصاداتها.

وتراهن دول الخليج على نظام تأشيرة موحد لتعزيز جاذبية أسواقها السياحية، خاصة في ظل طفرة التحولات الاقتصادية الجارية على مستوى كل بلد رغم التباين في ترجمتها بين بلد وآخر.

كما تستهدف دول المنطقة زيادة إنفاق السياح الوافدين إلى 188 مليار دولار بحلول 2030، مقابل توقعات بنحو 96.9 مليار دولار في نهاية العام الماضي.

وترى فيتش أن صناعة الطيران ستعلب دورا أساسيا في إنعاش حركة السياحة الوافدة إلى المنطقة، إذ تمتلك بالفعل البعض من أحدث المطارات في العالم، كما تعمل حكومات الخليج على توسيع مطاراتها تحسبا لزيادة أعداد المسافرين بقيادة السياحة.

وتطرقت الوكالة إلى مطار دبي الدولي الذي يستقبل 87 مليون مسافر، ومطار حمد الدولي الذي يستقبل 45.9 مليون مسافر، ومطار الملك عبدالعزيز الدولي وتبلغ قدرته الاستيعابية 42.9 مليون مسافر.

ويعتقد سامر الخراشي، مدير المكتب الإقليمي لمنظمة السياحة العالمية لمنطقة الشرق الأوسط، أن تطوير منظومة قياس السياحة وتعزيز القدرات الإحصائية يمثلان ركيزةً أساسيةً لدعم اتخاذ القرار وبناء سياسات قائمة على الأدلة.

وقال أمام المشاركين إن “الإحصاءات السياحية لم تعد مجرد أرقام، بل أداة إستراتيجية لقياس الأثر الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للسياحة، وتوجيه الاستثمار نحو التنمية المستدامة”.

وأوضح أن قطاع السياحة العالمي يواصل تعافيه بثباتٍ، حيث ارتفع عددُ السياح الدوليين إلى نحو 690 مليون زائر خلال النصف الأول من هذا العام، بزيادة قدرها 5 في المئة بمقارنة سنوية، متوقعًا استمرار النمو بنهاية العام بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المئة.

وأشار إلى أن دول الخليج سجلت أداءً قويًا، إذ استقبلت أكثر من 75 مليون زائر في عام 2024، بزيادةٍ بلغت 11 في المئة عن العام السابق.

وأكد أن منظمة الأمم المتحدة للسياحة تعمل على تطوير نظام حساب السياحة الفرعي كأداةٍ عالميةٍ لقياس المساهمة الحقيقية للسياحة في الناتج المحلي وفرص العمل والاستثمار.

وإلى جانب ذلك سيتم إطلاق إطار إحصائي جديد لقياس استدامة السياحة يدمج الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لتقييم أثر السياحة على الموارد الطبيعية والمجتمعات المحلية.



إقرأ المزيد