لبنانون فايلز - 10/13/2025 5:55:14 AM - GMT (+2 )

في واشنطن، تنطلق اليوم الإثنين، اجتماعات الخريف التي يستضيفها كل من صندوق النقد والبنك الدولي، في حضور الآلاف من مُحافظي المصارف المركزيّة، ووزراء الماليّة، وكبار المدراء في القطاعين العام والخاص، فضلًا عن ممثلي المجتمع المدني والأكاديميين. وكما هي العادة، ستكون هذه الاجتماعات مناسبةً لمناقشة أوضاع الاقتصاد العالمي، والقضايا ذات الاهتمام الدولي المشترك، مثل آفاق النمو والاستقرار المالي ونسب الفقر. ومن المفترض أن تتوزّع النقاشات، ككل سنة، على جلسات فرعيّة وندوات متخصّصة، إضافة إلى ورش العمل والجلسات المفتوحة.
ستحمل الوفود، الآتية من جميع أنحاء العالم، هموم أقاليمها وبلدانها وتكتّلاتها الاقتصاديّة، وستحاول تسليط الضوء على المشاكل الأساسيّة التي تحاول التعامل معها. لكن في الوقت نفسه، من المرتقب أن تطغى على الكثير من النقاشات التحديات العالميّة المشتركة، التي تطال بتداعياتها مختلف الاقتصادات، كما تحتاج إلى استجابةٍ جماعيّة عبر المؤسّسات الدوليّة المتعدّدة الأطراف، مثل صندوق النقد أو البنك الدولي.
الأوراق والتصريحات التي جرى إطلاقها استباقًا لاجتماعات الخريف، وعناوين الجلسات والندوات التي تم التخطيط لها، تسمح بتحديد أبرز التحديات التي سيتم التطرّق إليها في واشنطن ابتداءً من اليوم.
مخاطر تركّز النمو
من حيث الشكل، وقبل أيّام من انطلاق اجتماعات الخريف، رفع صندوق النقد الدولي توقّعاته للنمو الاقتصادي العالمي هذه السنة، بمقدار 0.2%، لتصبح عند حدود 3%. كما رفعها بمقدار 0.1% بالنسبة للعام المقبل، لتصبح عند مستوى 3.1%. لقد سار الاقتصاد العالمي "بشكلٍ أفضل مما كان يُخشى"، وإن ظلّ "أسوأ مما هو مطلوب"، وفقًا لتصريحات مديرة الصندوق كريستالينا جورجيفا. ولقد تمكّن الاقتصاد العالمي، وعدد من الاقتصادات الأخرى، من الصمود بشكلٍ جيّد، بفضل سياساتٍ أفضل، وقطاع خاص أكثر قدرة على التكيّف مع التحديات المستجدة.
ولكن، مع الإيجابيّات التي صاحبت رفع توقّعات الصندوق، ثمّة مخاطر وتحديات لا يمكن تجاهلها. وأهمّها، مخاطر تركّز النمو. فالأداء الجيّد للاقتصادين العالمي والأميركي، يستند إلى قاعدة محدودة للغاية، وفي قطاع محدّد، وهو قطاع التكنولوجيا. والنمو المُرتقب تسجيله هذه السنة، سيكون مدفوعًا بأعمال عدد محدود من الشركات الكبرى، التي تضخ استثمارات ضخمة في الذكاء الاصطناعي، بما يشمل الأجهزة والتقنيّات والبرمجيّات ومراكز البيانات.
وللتأكيد على هذه الحقيقة، يمكن العودة إلى دراسة مصرف جي. بي. مورغان، التي أكّدت أنّ 1.1 نقطة مئويّة، من أصل النمو الاقتصادي المقدّر بـ 1.6% في الولايات المتحدة خلال النصف الأوّل من العام الحالي، جاء بفعل الإنفاق الرأسمالي المرتبط بالذكاء الاصطناعي. وهذا الإنفاق الاستثماري المكثّف قد يكون غير مستدام، وقد يشهد الاقتصادان الأميركيّ والعالمي تراجعات غير متوقّعة إذا قرّرت شركات التكنولوجيا لجم استثماراتها في مجال الذكاء الاصطناعي خلال الفترة المقبلة.
في الوقت الراهن، يحمل صندوق النقد لواء التحذير من مخاطر تركّز النمو، ومن عدم استدامة النمو المرتكز إلى نفقات استثماريّة في مجال محدّد ووحيد. وخلال النقاشات هذا الأسبوع، من المتوقّع أن يدفع الصندوق باتجاه الأولويّات التي يراها مناسبة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام: تعزيز إنتاجية القطاع الخاص، وضبط الإنفاق العام، وتقليص حجم الديون السياديّة، وضمان استدامة الديون العامّة، فضلًا عن معالجة الاختلالات في الميزان الجاري لكل دولة لمواجهة الأزمة النقديّة المقبلة.
حرب ترامب التجاريّة وفائض الصين
تتشارك دول العالم، وخصوصًا الصناعيّة منها، القلق إزاء التزامن ما بين مشكلتين خطيرتين في الوقت نفسه: الرسوم الجمركيّة التي يفرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب من جهة، وفائض المنتجات الصينيّة التي تغزو الأسواق بأسعار رخيصة من جهة أخرى.
وثمّة ترابط واضح ما بين المشكلتين. فمع إقفال ترامب أسواق بلاده في وجه الصين، تسعى الصين إلى العثور على أسواق بديلة لبضاعتها، ولو على حساب تخفيض أسعار منتجاتها إلى مستويات قياسيّة. وبذلك، عمّمت الصين مشكلتها على العالم، فباتت منتجاتها تضرب المنافسين في أسواق مختلفة حول أنحاء العالم. وهكذا، باتت الدول الصناعيّة أمام وضعٍ صعب. فالسوق الأميركيّة الضخمة أصبحت مقفلة بجدار حديدي من الرسوم الجمركيّة، والفائض الصيني صار ينافس بضراوة في جميع الأسواق الأخرى. وأصبحت هذه الدول عالقة ما بين الحمائيّة الأميركيّة وفائض الإنتاج الصيني.
لصندوق النقد تفضيلاته المعروفة هنا. فهو يتبنّى، كما دائمًا، مفاهيم الأسواق المفتوحة، وسياسات المنفعة الاقتصاديّة المتبادلة الناتجة عن تحرير التجارة الدوليّة، ما يحقّق تخصّص كل دولة في الصناعات التي تتميّز بها. غير أنّ مشكلة الصندوق، تكمن في انطلاق الحرب التجاريّة من أكبر عضوين فيه، الصين والولايات المتحدة، ما قد يطرح السؤال عن طبيعة الحلول التي سيقترحها الصندوق لهذه المشكلة.
مشكلة ترامب مع المنظمات الدوليّة
منذ وصول ترامب إلى الحكم، تطالب إدارته صندوق النقد بالعودة إلى "مهامه الأساسيّة"، في إشارة إلى امتعاض البيت الأبيض من توجّهات الصندوق والإصلاحات التي يطالب بها. ولهذا السبب، خفّف الصندوق، وكذلك البنك الدولي، الحديث عن عدّة أولويّات، مثل المساواة الجندريّة والتغيّر المناخي والتنمية المستدامة وتقليص الفوارق الاجتماعيّة.
في اجتماعات الخريف، على العالم أن يترقّب تأثير إدارة ترامب على أجندة المؤسستين، فضلًا عن نبرتهما في الحديث عن التحديات التي تواجه الدول النامية، خصوصًا أن الولايات المتحدة تُعتبر صاحبة الحصّة الأكبر والصوت الأكثر ثقلًا داخل الصندوق. فإلى أي حد ستساوم المؤسّسات الدوليّة، للتعامل مع مزاج ترامب الصعب وتوجهاته؟
يُضاف إلى كل تلك التحديات، المشاكل التي تراكمت خلال السنوات الماضية، والتي يتكرّر الحديث عنها في مثل هذه المناسبات، مثل ارتفاع مديونيّات الدول الناميّة، وأزمة استدامة هذه الديون، وتداعيات الاحتباس الحراري ومشاكل تغيّر المناخ، بالإضافة إلى تأثيرات التوترات الجيوسياسيّة المستمرّة حتّى اللحظة. ورغم كل دورات التشديد النقدي، التي قامت بها المصارف المركزيّة حول أنحاء العالم، ما زال التضخّم تحديًا كبيرًا يفاقم من أشكال اللامساواة، ويضغط على معدلات النمو الاقتصادي.
علي نور الدين - المدن
The post اجتماعات الخريف: تحديات كبيرة أمام الاقتصاد العالمي appeared first on أخبار الساعة من لبنان والعالم بشكل مباشر | Lebanonfiles | ليبانون فايلز.
إقرأ المزيد