لبنانون فايلز - 9/18/2025 7:14:28 AM - GMT (+2 )

يشهد لبنان واحدة من أخطر الأزمات الصحية في تاريخه الحديث، مع انهيار التغطية الطبية لمرضى السرطان وارتفاع أعداد الإصابات بشكل متسارع. ففي ظل الانهيار الاقتصادي وحجز أموال المودعين، وجد عشرات آلاف المرضى أنفسهم أمام معادلة قاسية: إما تأمين علاج باهظ الكلفة على نفقتهم الخاصة، أو مواجهة الموت بصمت. وبينما تغطي معظم دول العالم كلفة هذه الأمراض عبر مؤسساتها الرسمية، تُرك المرضى اللبنانيون لمصيرهم، وسط غياب تسعيرة موحّدة للأدوية، واستفادة شركات الأدوية الأجنبية من الأزمة عبر تسويق منتجاتها بأسعار مضاعفة. هذه الفوضى ألقت بظلالها الثقيلة على القطاع الصحي بأكمله، من الهيئات الضامنة إلى شركات التأمين، وصولًا إلى وزارة الصحة التي تحاول بدورها إيجاد مخارج محدودة.
أزمة صحية غير مسبوقة
يواجه لبنان اليوم أزمة صحية خطيرة بعد رفع الدعم عن أدوية السرطان للمرضى في القطاع الخاص، ما أجبرهم على دفع الكلفة كاملة وسط انهيار اقتصادي خانق. في حين أن كلفة علاج أمراض السرطان تقع على عاتق الدولة في معظم الدول المجاورة والعالم، بقي المريض اللبناني وحده في مواجهة هذه الأعباء.
الهيئات الضامنة تغرق في الخسائر، بينما تحقق شركات الأدوية الأجنبية أرباحًا إضافية على حساب حياة الناس. كما أن غياب نظام وطني لترميز المغروسات الطبية والبدائل الاصطناعية ضاعف الفوضى والفساد ورفع الأسعار بشكل جنوني.
أرقام صادمة
وفقًا للسجل الوطني للسرطان، الذي بدأ العمل به عام 2002، سُجل في عام 2020 أكثر من 11,500 حالة جديدة. وفي عام 2022 ارتفع العدد إلى 13 ألفًا، فيما تُقدَّر الإصابات بحوالي 20 ألف حالة جديدة مع نهاية 2025. الأخطر أن السنوات المقبلة قد تشهد دخول علاجات متطورة لكن باهظة الثمن، ما يطرح تساؤلات حول قدرة المريض اللبناني على تحمّلها.
المستفيد شركات الأدوية
المستفيد الأول من ارتفاع أسعار الأدوية، خصوصًا العلاجات المناعية والخلوية، هي شركات الأدوية العالمية المصنعة. فبعد قرار رفع الدعم عام 2023، انتقل المرضى إلى القطاع الخاص حيث تُباع الأدوية بأسعار أعلى بكثير من تلك المعتمدة مع وزارة الصحة، ما سمح لهذه الشركات بتحقيق أرباح تُقدَّر بعشرات ملايين الدولارات.
غياب التسعيرة الموحدة فتح الباب أمام التهريب والفساد، وأدخل أدوية مزوّرة إلى السوق اللبناني، ما زاد من مأساة المرضى.
القطاع الخاص على شفير الانهيار
ازدواجية التسعير بين الوزارة والقطاع الخاص أدت إلى خسائر كبرى لدى شركات التأمين والهيئات الضامنة، إذ وصلت أسعار بعض الأدوية إلى 60% فوق السعر الرسمي. هذا الواقع دفع هذه الشركات إلى رفع الأقساط، ما جعل عددًا كبيرًا من المشتركين عاجزًا عن الاستمرار، وأدى إلى انسحاب البعض من التغطية كليًا.
ومع الانهيار الاقتصادي والتضخم المتسارع، تحوّل القطاع الصحي الخاص إلى ساحة استغلال، فيما تهدد الأزمة استدامة الرعاية الصحية وقدرة اللبنانيين على تحصيل العلاج.
شركات التأمين والهيئات الضامنة... شريك في الإنقاذ
رغم أن شركات التأمين والهيئات الضامنة وُضعت في قلب الأزمة، إلا أنها تبقى ركيزة أساسية في أي نظام صحي متكامل. ومن هنا، فإن المطلوب منها اليوم أن تتحول إلى جزء من الحل عبر:
-التعاون مع وزارة الصحة للتوصل إلى تسعيرة موحدة وعادلة للأدوية.
-تطوير برامج تأمينية متخصصة لأمراض السرطان والأمراض المزمنة تتناسب مع الواقع اللبناني.
-تعزيز الشفافية والرقابة لتوزيع الأعباء بعدالة ومنع أي هدر أو تضخيم في الفواتير الطبية.
-إيجاد شراكات دولية أو دعم خارجي يساهم في تمويل تغطية الحالات المستعصية.
بهذا الدور البنّاء، يمكن للهيئات الضامنة أن تكون شريكًا فعليًا في حماية المرضى وتخفيف الأعباء عن المواطنين بدل أن تبقى مجرد متضرر من الأزمة.
موقف وزارة الصحة
يقول وزير الصحة راكان ناصر الدين لـ"الديار": "الحاجة المستجدة كبيرة جدًا وإلى ازدياد، لكن بفضل طريقة إدارتنا استطعنا توسيع بروتوكولات العلاج لتشمل عددًا أكبر من المرضى، حيث ارتفع عدد الملفات من 900 إلى 12,500 ملف. وقد زاد مصروف الدواء بنسبة 40%، إلا أننا حققنا وفرًا بمقدار 55% عبر المناقصات".
ويضيف: "لا يمكننا أن نفرض على الشركات الأجنبية الأسعار نفسها التي تعطى للوزارة في القطاع الخاص، فهذا يخضع للتفاوض بين الطرفين. لكننا أطلقنا مشروعين أساسيين: الوكالة الوطنية للضمان الدوائي لتحسين الجودة والتسعير والتسجيل، والمختبر المركزي الذي يُجهَّز ليكون أداة رقابية فعالة".
هكذا يجد لبنان نفسه أمام أزمة إنسانية وصحية تهدد كل أسرة. المريض ضحية أولى، الدولة عاجزة، القطاع الخاص متأزم، بينما الشركات العالمية تجني الأرباح. لكن في المقابل، ثمة فرصة لتحويل الأزمة إلى مدخل إصلاحي عبر تعاون فعلي بين الدولة، الهيئات الضامنة، والقطاع الطبي، لتأمين الدواء كحق أساسي لا كسلعة في سوق مفتوح للاستغلال.
جوزف فرح - الديار
The post بظل انهيار التغطية الصحية ومعاناة مرضى السرطان.. الوزارة تطرح حلولاً بديلة appeared first on أخبار الساعة من لبنان والعالم بشكل مباشر | Lebanonfiles | ليبانون فايلز.
إقرأ المزيد