تصفير الموازنة: لبنان أعظم من فرنسا؟
لبنانون فايلز -

أمام الحكومة اللبنانية فسحة من الزمن تمتدّ حتّى نهاية العام الجاري لكي تنزع من جدول اهتماماتها قضيّة حصريّة السلاح، والبدء بالاهتمام بأولويّات مختلفة، وفي مقدَّمها الوضع الاقتصاديّ والماليّ.

العاصفة التي هبّت قبل شهر، عندما أقرّت الحكومة مبدأ حصر السلاح بيد القوى الشرعيّة وحدها، هدأت بفضل موافقة مجلس الوزراء على خطّة الجيش اللبناني لتطبيق حصريّة السلاح. فهذه الخطّة استحضرت، بشكل سحريّ، أسلوب التسويات اللبنانية الشهير، بحيث فقد “الحزب”، بموافقته، شرعيّة سلاحه التي فُرضت منذ اتّفاق الطائف. مقابل ذلك حظي “الحزب” بتعتيم على الجدول الزمنيّ لجمع السلاح بغية حفظ ماء وجهه أمام بيئته التي أشعل فيها حماسة زائدة، وبات يصعب عليه إفهامها أنّ اتّفاق وقف النار الذي وافق عليه هو صكّ استسلام مجرّد، وتنازل موصوف عن حقّه بحمل السلاح.

تحديد مستقبل البلاد

ما سمحت التسوية بإظهاره من الجدول الزمنيّ يشمل الأشهر الثلاثة الأولى المخصّصة لسحب السلاح من جنوب الليطاني، وهي المدّة المتاحة للحكومة لكي تنصرف إلى معالجة الهموم اللبنانية الأخرى، وهي هموم اقتصاديّة على الغالب. وأولى المهامّ المطروحة على الحكومة هي مشروع موازنة 2026 الذي أحاله وزير الماليّة قبل أيّام إلى مجلس الوزراء.

لا يمكن إغفال أهمّيّة السياسة الماليّة عبر الموازنة كأداة لرسم السياسة الماليّة والاقتصاديّة، وإطار تساهم الدولة من خلاله في تحديد مستقبل البلاد واستقرارها.

فيما يستعدّ البرلمان اللبناني لمناقشة مشروع الموازنة في الأسابيع المقبلة، شهدت الجمعيّة الوطنيّة الفرنسية حدثاً نادراً في تاريخ الجمهورية الخامسة. فقد سقطت حكومة فرنسوا بايرو سقوطاً مدوّياً أمام الجمعية الوطنيّة بسبب إخفاق رئيس الوزراء في إقناع النوّاب بخطّته لشطب 44 مليار يورو من النفقات بهدف خفض الدين العامّ الذي بلغ 3,400 مليار يورو، أي ما يوازي 114% من الناتج المحلّي الإجمالي.

من الطبيعي أن تتحوّل كلّ محاولة للتقشّف بهدف الإصلاح الماليّ إلى أزمة اجتماعية بسبب الكلفة العالية للإنفاق الاجتماعي في فرنسا حيث تخصّص الحكومة نسبة عالية من الإنفاق لتمويل المستشفيات والأدوية والتعليم والتكاثر الأسريّ والثقافة، إضافة إلى معاشات التقاعد وتعويضات البطالة.

لذلك تحوّلت الأزمة الماليّة بسرعة إلى أزمة سياسيّة واضطرّ رئيس الحكومة إلى الاستقالة، فاختار الرئيس ماكرون وزير الدفاع اليمينيّ سيباستيان ليكورنو ليكون خامس رئيسٍ للوزراء خلال السنتين الأخيرتين من عهده. ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، فقد وضعت الأزمة الماليّة فرنسا على أبواب مرحلة جديدة من الاضطرابات والتظاهرات والعنف، بما يذكّر بمرحلة “السترات الصفر” قبل خمس سنوات، التي تخلّلتها مظاهر عنف قلّما شهدت باريس مثيلاً لها.

أزمة الماليّة العامّة في فرنسا تكاد أن تتخطّى حدود البلاد مُضعِفةً نفوذ فرنسا في العالم. فقد تخوّف وزير خارجيّة إيطاليا أنطونيو تاجاني من أن تؤدّي الأزمة إلى إضعاف أوروبا، فيما هي بحاجة إلى القوّة والوحدة لكي تحافظ على تأثيرها في الحرب الأوكرانيّة ومعركة الرسوم الجمركيّة مع الولايات المتّحدة، عدا عن دورها الشجاع لحلّ القضيّة الفلسطينيّة على قاعدة الدولتين.

موازنة دون عجز؟

فرنسا في مهبّ العاصفة فيما لبنان مرتاح بسبب إتقان وزارة الماليّة في السنوات الأخيرة “فنَّ” إعداد موازنات دون عجز عن طريق تجاهل النفقات الحقيقية وتكبير حجم الإيرادات. في فرنسا لحظت موازنة 2026 عجزاً بحدود 67 مليار يورو، أي 5.8% من الناتج المحلّيّ، وأمّا في لبنان فالعجز في موازنة السنة نفسها هو صفر!

يتجنّب مشروع الموازنة في لبنان فرض ضرائب جديدة منعاً لاستثارة الرأي العامّ، ويعتمد بدلاً من ذلك تفعيل جباية الضرائب وضبط التهرّب الضريبيّ على أمل تحصيل مليار دولار إضافي، سواء كان ذلك واقعيّاً أم من باب الأوهام.

في جانب النفقات، يخلو مشروع الموازنة من لحظ اعتمادات لخدمة الدين العامّ بحجّة توقّف الدولة عن تسديد الديون الخارجية، مع العلم أنّ ذلك لا يُلغي التزامات الدولة تجاه الدائنين، ويسري الأمر نفسه على احتمالات زيادة رواتب القطاع العامّ وحصّة الدولة من إعادة الإعمار.

ينام لبنان سعيداً على أرقام موازنة بعيدة عن الواقع، في إيراداتها ونفقاتها، تاركاً للمستقبل أن يكشف عن حجم العجز الحقيقيّ والتطوّر الهائل في مديونيّة القطاع العامّ.

غسان العيّاش - اساس ميديا

The post تصفير الموازنة: لبنان أعظم من فرنسا؟ appeared first on أخبار الساعة من لبنان والعالم بشكل مباشر | Lebanonfiles | ليبانون فايلز.



إقرأ المزيد