كتيب حماس الجديد عن الطوفان.. ماذا تناول؟ وماذا تجاهل؟
لبنانون فايلز -

مع اقتراب نهاية عام 2025، وتصاعد الجدل حول تداعيات طوفان الأقصى مع انتقال الحرب من طورها العسكري المفتوح إلى طور الصراع حول السردية، أصدرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) كتيبا بعنوان "روايتنا: طوفان الأقصى… عامان من الصمود وإرادة التحرير" بهدف توجيه النقاش حول الطوفان في مواجهة روايات إسرائيلية وغربية، بل حتى أخرى عربية وفلسطينية ناقدة.

وقد اعتمد الكتيب لغة تقريرية موجّهة تُبرز عناصر بعينها، وتعمل على تثبيت قراءة محددة للحدث في مواجهة قراءات مضادة. ومن هنا، يكتسب الكتيب أهميته بوصفه مادة سياسية قابلة للتحليل والنقد، ما يفتح المجال لتحليل محاوره، وفحص منطقه الداخلي، ومساءلة ما يطرحه وما يتجنبه.

دوافع الطوفان
يبني الكتيب تفسيره لأحداث السابع من أكتوبر على سردية ممتدة تبدأ من ثوراته عام 1920، ومرورًا بالاحتلال 1948، وتقدّم الطوفان بوصفه نتيجة تراكمية لمسار تاريخي طويل من الانتداب، والاحتلال، والتشريد، والسياسات الإقصائية التي استهدفت الوجود الفلسطيني.

ومن ثم يدرج الطوفان ضمن سياق صراع مفتوح بلغ ذروته مع صعود حكومات اليمين الإسرائيلي المتطرف، وتسارع مشاريع الاستيطان والتهويد في القدس والضفة الغربية، حيث تضاعف عدد المســتوطنين في الضفة من 280 ألفا في عام 1993 بعد توقيع اتفاق أسلو ليصبح 950 ألف مستوطن في عام 2023.

كذلك يركز الكتيب على فشل مسار التسوية السياسية، ويحمّل إسرائيل مسؤولية إفراغ اتفاق أوسلو من مضمونه، مستندا إلى تصريحات نتنياهو الرافضة لقيام دولة فلسطينية، وتحوّل السلطة الفلسطينية إلى كيان منزوع السيادة وغير قادر على حماية الحقوق الوطنية، ما مثل قطيعة أنهت أي أفق للتسوية، ورسّخت منطق المواجهة.

ويتوسع في توصيف التحولات داخل إسرائيل منذ أواخر 2022، مع صعود تحالف الليكود والصهيونية الدينية، وتسليم مفاصل حساسة لشخصيات متطرفة مثل وزارة الأمن القومي لإيتمار بن غفير ووزارة المالية والإدارة المدنية في الضفة الغربية لسموتريتش، ويربط ذلك بمحاولات فرض وقائع جديدة على الأرض في الضفة والقدس، كمقدمة لتصفية القضية الفلسطينية.

ينتقل الكتيّب بعد ذلك إلى قطاع غزة، ويقدم البيئة التي سبقت السابع من أكتوبر باعتبارها حالة غليان مكتملة العناصر، ناتجة عن حصار طويل الأمد، وسياسات عقاب جماعي، وتضييق شامل على الحياة اليومية. كما يتطرق إلى معطيات أمنية تتعلق بطرح خطط للشاباك لاستهداف قيادة حماس قبيل أسبوع واحد من الطوفان وذلك لتأكيد فكرة أن الطوفان كان عملية استباقية لهجوم إسرائيلي وشيك.

كما يولي الكتيّب أهمية خاصة لملف الأسرى الفلسطينيين البالغ عددهم 5 آلاف أسير قبل الطوفان، ويقدّمه كعامل مركزي في قرار المواجهة، في ظل انسداد الأفق السياسي للإفراج عنهم، وتصاعد سياسات القمع داخل السجون. ويستكمل عرض دوافع الهجوم بالتطرق إلى عجز المؤسسات الدولية، خاصة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، عن فرض أي التزام على إسرائيل التي تتصرف كدولة فوق القانون بدعم أميركي غربي.

ويُختتم الفصل الأول بتأطير طوفان الأقصى ضمن مسار تاريخي متصل من الثورات والانتفاضات الفلسطينية التي بدأت منذ عام 1920، ويقدمه باعتباره موجة جديدة في سلسلة مقاومة طويلة، تهدف إلى إعادة فرض القضية الفلسطينية على جدول الصراع، وكسر محاولات دمج إسرائيل في الإقليم.

يوم العبور
يقدم الفصل الثاني الطوفان باعتباره فعلا مقصودا ومخططا له نافيا عنه كونه مغامرة غير محسوبة، ويربطه بقرار واعٍ اتخذته قيادة المقاومة. ولذا يصف الطوفان بأنه لحظة استعادة للفاعلية الفلسطينية، تجاوز خلالها الفلسطيني كونه ضحية دائمة ليثبت أنه فاعل قادر على المبادرة، ومن ثم استخدم الكتيب مفردات الكرامة، والتضحية، والدفاع عن القدس لربط الطوفان بقيم عليا تتجاوز الحسابات التكتيكية.

وفي محور الالتفاف الشعبي، استند إلى نتائج استطلاع رأي أجراه المركز الفلسـطيني للبحوث السياسـية والمسحية نهاية عام 2023، ليبرهن على وجود تأييد واسع لخيار الطوفان بنسبة بلغت 72%. ويقدم هذا التأييد بوصفه تفويضا شعبيا للمقاومة، وعلى استمرار القبول المجتمعي بخيار المواجهة رغم الكلفة، ودليلا على تآكل شرعية السلطة الفلسطينية التي حصلت على 11% فقط من رضا المستطلعين.

وتم استخدام وصف "يوم العبور التاريخي" لشرح النجاح في اختراق التحصينات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة، والسيطرة المؤقتة عليها، وأسر عشرات الجنود؛ بوصفها إنجازا نوعيا غير مسبوق منذ تأسيس إسرائيل في عام 1948. وشدد على أن الطوفان مثّل صدمة إستراتيجية أصابت المنظومة الأمنية الإسرائيلية في جوهرها، وأسقطت صورة الجيش الذي لا يُهزم.

وفي المقابل، بني الفصل الثاني سرديته على التركيز على لحظة 7 أكتوبر، بوصفها لحظة إعادة رسم للمعادلة، دون التطرق إلى انتقال إسرائيل السريع إلى حرب تدميرية واسعة، وما ترتب عليها من كلفة إنسانية وسياسية على غزة. وغاب عنه التطرق إلى كيفية تقدير رد الفعل الإسرائيلي قبل الهجوم، كذلك لم يتطرق إلى مسألة تغيّر المزاج العام مع طول الحرب وتعاظم الخسائر.

التحقيق في هجوم 7 أكتوبر
خُصّص الفصل الثالث للرد على السردية الإسرائيلية التي رافقت أحداث السابع من أكتوبر، وقدّم حركة حماس كطرف معني بكشف الحقائق. فانطلق من اتهام مباشر لإسرائيل بإدارة حملة تضليل إعلامي واسعة، هدفها نزع الصفة الشرعية عن الطوفان، وتحويله إلى رواية تستند إلى اتهامات بقتل المدنيين والأطفال وارتكاب انتهاكات جنسية، لتبرير شن حرب شاملة على قطاع غزة.

في هذا السياق، يؤكد الكتيب أن الهجوم استهدف في أصله مواقع عسكرية وقوات إسرائيلية في محيط غزة، وأن ما جرى لاحقا من سقوط قتلى مدنيين إسرائيليين لا يمكن فصله عن طبيعة الاشتباك، ولا عن سياسات الجيش الإسرائيلي نفسه. ويشير إلى رفض إسرائيل، في الأيام الأولى بعد الهجوم، عروضا قدمتها المقاومة للإفراج عن أسرى غير عسكريين، قبل أن تقبل بذلك لاحقا خلال هدنة قصيرة لمدة أسبوع في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

ويعرض الفصل موقفا مبدئيا ينفي استهداف المدنيين بوصفه جزءا من عقيدة المقاومة. فيما يربط بين الممارسات الإسرائيلية التاريخية وسياسات القتل الجماعي والتطهير العرقي، معتبرا أن هذا السلوك راسخ في المشروع الصهيوني منذ نشأته.

ويستند الكتيب إلى تحقيقات صحفية إسرائيلية، ليؤكد أن جيش الاحتلال قصف مناطق فيها مدنيون إسرائيليون إلى جانب مقاتلي المقاومة، في إطار إجراء "هنيبعل"، بهدف منع أسر جنود. كما يشير إلى أن عددا من القتلى الإسرائيليين كانوا جنود احتياط أو عسكريين خارج الخدمة، يرتدون ملابس مدنية وقت الهجوم، ما أربك التمييز بين المدني والعسكري.

في سياق النفي التفصيلي، يؤكد الفصل أن المقاومة لم تستهدف مستشفيات أو مدارس أو دور عبادة، ولم تقتل صحفيين أو طواقم إسعاف خلال العملية، ويتحدّى إسرائيل في تقديم أدلة مضادة. ويُختتم بدعوة صريحة إلى فتح تحقيق دولي مستقل في أحداث السابع من أكتوبر، بالتوازي مع تحقيق دولي في الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين في غزة.

مسار الحرب على غزة
يقدم الفصل الرابع سردية لمسار الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة بوصفها حرب إبادة، ويضع هذا العنف في سياق محاولة إسرائيلية لاستعادة صورة الردع التي انهارت مع عملية طوفان الأقصى.

ويظهر أن الحرب كشفت عن عقلية إلغائية تحكم سلوك القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، وهو ما تجلى في خطاب رسمي ينزع إنسانية الفلسطينيين، ويشرعن القتل الجماعي، حيث بلغ عدد الشهداء 67 ألفا و100 شهيد من بينهم 20 ألف طفل و12 ألفا و500 امرأة، فضلا عن 9500 مفقود، ونحو 196 ألفا و500 مصاب.

كما يعالج الفصل ملف الأسرى والجثامين بوصفه أحد أكثر وجوه الحرب قسوة، مشيرا إلى آلاف المعتقلين من غزة، وإلى ما كشفته أجساد المفرج عنهم من آثار تعذيب وتجويع، فضلا عن الدلائل المرتبطة بالإعدام الميداني والتنكيل بالجثامين.

ويبرز فشل الكيان في تحقيق هدفه الأهم، وهو كسر المجتمع الغزي ويتجلّى هذا الفشل بشكل واضح في مشاهد عودة مئات الآلاف من المهجرين إلى شمال القطاع المدمر، بما يعكس تمسكا بالأرض أفشل سياسة التهجير القسري، كما شدد على فشل محاولات الاحتلال لإيجاد بدائل محلية أو أجسام عميلة، نتيجة وعي العشائر والعائلات، وحفاظها على وحدة النسيج الاجتماعي.

ويمنح الفصل مساحة خاصة لاستشهاد القادة بوصفه تعبيرا عن نمط قيادة لم تنفصل عن مجتمعها، ودفعت الثمن ذاته الذي دفعه الناس. كما يتناول أداء المقاومة في الميدان، ويصفه بأنه أسّس لنمط استنزاف طويل الأمد في حرب المدن ما أفشل قدرة الجيش الإسرائيلي، رغم تفوقه العسكري والدعم الغربي، على تحقيق نصر حاسم، واضطره في النهاية إلى وقف الحرب والدخول في ترتيبات سياسية.

ولا يغفل الفصل آثار الحرب على الداخل الإسرائيلي، من هجرة عكسية، وتراجع الاستثمار، وشلل قطاعات اقتصادية حيوية، كما يتطرق إلى الخسائر التي تكبّدها الكيان، سواء الاقتصادية التي بلغت نحو 100 مليار دولار بحسب تقديرات البنك المركزي الإسرائيلي أو البشرية مع الإشارة إلى محاولات التعتيم عليها.

ويضع الفصل الدور الأميركي في قلب المشهد، بوصفه شراكة مباشرة في الحرب عبر مد إسرائيل بأكثر من 90 ألف طن من الأسلحة، مع تقديم غطاء سياسي عبر استخدام حق النقض "الفيتو" 6 مرات في مجلس الأمن لإتاحة المجال للاحتلال لمواصلة مجازره.

وفي المقابل، لم يتوقف الفصل الرابع بما يكفي عند سؤال: كيف جرى اتخاذ القرار الإسرائيلي بالانتقال إلى هذا المستوى من العنف؟ كما تعامل مع مفهوم "استعادة الردع" بوصفه هدفا يائسا للحرب من طرف إسرائيل دون اختبار مدى تحققه خلال مسار المعركة، كذلك لم يقدم الكتيب قراءة لمعادلة "الإنجاز مقابل الثمن".

جهود حماس لوقف الحرب
يقدم الفصل الخامس سردية لمسار الجهود التي بذلتها حركة حماس من أجل وقف الحرب، ويضعها في سياق تفاوضي ممتد منذ اليوم الأول للعدوان. وينطلق من تأكيد أن حماس، بالتنسيق مع فصائل المقاومة وبالاعتماد على قنوات الوساطة الإقليمية والدولية، عملت منذ البداية على وقف القتل والتدمير، في مقابل رغبة نتنياهو في استمرار الحرب كوسيلة لحماية بقائه السياسي، والتهرب من المحاسبة على إخفاق السابع من أكتوبر، ولتجميد ملفات الفساد التي تلاحقه.

ويبرز الفصل لحظة نقض اتفاق وقف إطلاق النار في يناير/كانون الثاني 2025 بوصفها دليلا قاطعا على غياب النية الإسرائيلية لإنهاء الحرب، ويضعها في سياق نمط متكرر من الانقلاب على التفاهمات المؤقتة.

ويتوقف الفصل عند خطة الرئيس الأميركي ترامب في نهاية سبتمبر/أيلول 2025 باعتبارها محطة مفصلية بسبب السياق الذي جاءت فيه بعد استهداف وفد حماس التفاوضي في الدوحة.

ويشرح موقف حماس من الخطة إذ وافقت على وقف الحرب، ومنع التهجير، والانسحاب التدريجي، وإدخال المساعدات، وإطلاق الأسرى، مقابل رفضها أي مسار يفرض وصاية سياسية أو ينتزع عبر التفاوض ما عجز الاحتلال عن تحقيقه بالقوة. كما يعرض قبول الحركة بإدارة غزة عبر هيئة فلسطينية توافقية بوصفه تنازلا محسوبا يخدم الاستقرار.

ويُختتم الفصل بعرض الاتفاق النهائي لوقف إطلاق النار باعتباره ثمرة مباشرة للصمود الشعبي والميداني والسياسي الفلسطيني بما يرسّخ سردية الفشل الإسرائيلي في فرض الاستسلام أو إعادة تشكيل غزة سياسيا وأمنيا.

وفي المقابل، لم يوضح الكتيب حدود المناورة الفعلية المتاحة لحماس في ظل اختلال ميزان القوى، ولم يناقش دوافع تغير الموقف الأميركي لإنهاء الحرب أو حدود استمراريته. أما عرض الاتفاق النهائي، فيميل إلى تقديمه بوصفه انتصارا خالصا، من دون مناقشة التحديات التي ستواجه تنفيذه، سواء فيما يتعلق بإعادة الإعمار، أو إدارة غزة، أو مستقبل الصراع، وبالتالي برز الفصل في صورة بيان مدعوم بالوقائع، دون الإجابة عن عدد من الأسئلة الصعبة التي تفرضها مرحلة ما بعد الحرب.

أبرز إنجازات الطوفان
تمحور الفصل السادس حول فكرة مركزية، وهي أن عامين من الحرب أطلقا سلسلة تحولات ممتدة في الوعي والسياسة والقانون والمجال العام. ولذلك تحرك الكتيب بين ثلاثة مستويات مترابطة: مستوى المجتمع الفلسطيني وقدرته على الاحتمال والصمود، ومستوى اهتزاز شرعية إسرائيل وصورتها في الإقليم والعالم، ثم مستوى البيئة الدولية وما طرأ عليها من تحولات في الخطاب والمواقف والإجراءات.

فعلى المستوى الفلسطيني، يضع الصمود في موقع الإنجاز الأول بوصفه عاملا أحبط رهانات الإخضاع وكسر الإرادة، ورسّخ أن الشعب الفلسطيني فاعل لا يمكن تجاوزه. ثم ينتقل إلى استعادة مركزية القضية عالميا، بعد أن عملت مسارات التطبيع على عزل فلسطين عن عمقها وإخراجها من الأجندة الدولية.

ويوسع الكتيب دائرة الخسارة الإسرائيلية في اتجاهين: العزلة الأخلاقية والسياسية إقليميا ودوليا، ثم تفكك الداخل الإسرائيلي. وتظهر العزلة في سردية "الكلفة الأخلاقية" التي باتت تلاحق أي علاقة مع إسرائيل، وفي تضخم الاحتجاجات داخل عواصم الغرب، وتحول الدفاع عن إسرائيل إلى عبء سياسي.

أما على مستوى الداخل الإسرائيلي، فيتحدث عن تصدع الأساطير المؤسسة: أسطورة التفوق الأمني، وأساطير الردع والإنذار المبكر ونقل المعركة لأرض الخصم، وتضرر صورة "الدولة الغربية الديمقراطية"، كما يمتد إلى وهم "الملاذ الآمن" عبر الإشارة إلى القلق والهجرة العكسية واتساع الشروخ بين تيارات المجتمع المختلفة.

ويمنح الكتيب مساحة واسعة لمعركة الوعي؛ إذ يعرض تحولا في اللغة السياسية العالمية نفسها: دخول مفاهيم مثل الإبادة والاستعمار وجرائم الحرب إلى خطاب مؤسسات دولية وبرلمانات غربية، وتراجع قدرة إسرائيل على تسويق روايتها التقليدية، وارتقاء فلسطين إلى معيار أخلاقي عالمي.

ويصل بهذا المسار إلى مستوى قانوني مؤسساتي عبر التطرق إلى محكمة العدل الدولية في قضية الإبادة التي رفعتها جنوب أفريقيا، ومذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالانت، باعتبارها إشارات على تراجع الحصانة السياسية التي تمتعت بها إسرائيل طويلا، حتى مع استمرار رفضها الامتثال.

كما يدمج الكتيب بين الإنجازات الميدانية والإنجازات الإنسانية عبر صفقات التبادل والإفراج عن آلاف الأسرى. ثم يتطرق إلى إفشال مسار التطبيع أو تجميده على الأقل، وبعث روح الأمة وتنامي التعبئة الشعبية العربية والإسلامية ومحاولات كسر الحصار.

ويتوج هذا البناء بفكرة التحول في الرأي العام العالمي، مستشهدا بأرقام احتجاجات واسعة واستطلاعات رأي في الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة، ليؤكد أن الطوفان نقل فلسطين إلى مركز الأسئلة الأخلاقية والسياسية في العالم المعاصر.

وفي المقابل، قد يؤخذ على هذا الفصل تجنب الاحتراز من تغير المزاج العام بسرعة، ومن قدرة أنظمة الحكم في الغرب على امتصاص الاحتجاجات دون أن تترجمها إلى قرارات حاسمة. ومن اصطدام القانون الدولي دوما بمعادلة النفوذ، وقدرة الأطراف الكبرى على تعطيل المسارات القانونية أو تحييد آثارها.

لا يمكن عزل حماس
يدور الفصل السابع حول فكرة واحدة يكررها بأكثر من طريقة، وهي أن محاولة عزل حماس غير قابلة للتحقق لأنها جزء من البنية الاجتماعية والسياسية للمجتمع الفلسطيني. ويضيف أن محاولات الاجتثاث لم تضعف حماس بقدر ما رفعت رصيدها الجماهيري، وهو ما تجلى في فوزها بانتخابات المجلس التشريعي في عام 2006.

كما يركز على ثبات الخيار الشعبي للمقاومة من خلال استطلاعات رأي خلال عامي الحرب، خصوصا استطلاع تم في مايو/أيار 2025 وأظهر أن 77% مـن الفلسطينيين يرفضون نزع سلاح حماس مقابل وقـف الحرب، فيما بلغـت نسـبة الرضا عـن أداء حماس 57%، مقابـل 23% عـن أداء السـلطة الفلسطينية.

وتهدف تلك الأرقام لإثبات أن الحرب لم تدفع الجمهور للتخلي عن المقاومة، مع التشديد على أن المشكلة تكمن في الاحتلال لا المقاومة، مع التنويه لحق الشعوب في مقاومة الاحتلال واختيار ممثليها.

وفي حين برهن هذا الفصل على استحالة استئصال حماس، فإنه لم يتطرق إلى مدى إمكانية إعادة ضبط دورها، ومدى تأثير استهداف أعداد كبيرة من قادتها وكوادرها في فترة قصيرة على قدرتها بمواصلة تجذير وجودها في المجتمع.

أولويات المرحلة
هذا هو الفصل الأخير، وهو المعني بترتيبات ما بعد الحرب، وفيه يركز الكتيب على تناول ما ينبغي فعله، وعلى تحويل ما تحقق في الميدان إلى مسار سياسي يحفظ ثمار الحرب. ولذا يطرح أولويات المرحلة باعتبارها خطوطا كبرى لرؤية وطنية شاملة.

يبدأ الفصل من أولوية الانسحاب الكامل من غزة، وكسر الحصار، وإطلاق الإعمار، بوصفها الشروط الأولى لأي حديث عن مستقبل مستقر. ثم ينتقل إلى مسألة إدارة غزة، ويشدد على أنها شأن فلسطيني خالص، يرفض أي وصاية خارجية أو ترتيبات مفروضة. ويعيد تأكيد فكرة الشراكة وعدم الإقصاء، مع ربط أي وصاية خارجية بشكل من أشكال الاحتلال المقنّع.

بعد ذلك يوسع الفصل زاوية النظر من غزة إلى القدس والضفة الغربية، معتبرا أن ما يجري بهما من انتهاكات لا يقل خطورة عما جرى في القطاع، ما يستدعي توحيد الجهود وتعزيز الصمود الشعبي.

وفي السياق نفسه، يطرح الفصل إعادة ترتيب البيت الداخلي عبر إعادة بناء منظمة التحرير على قاعدة الشراكة، وتفعيل مؤسساتها، والتهيئة لانتخابات عامة داخل فلسطين وخارجها. مع ربط الوحدة الوطنية بخيار المقاومة، بوصفها شرطا لإفشال مشاريع تصفية القضية.

ولا يغفل البعد الخارجي، فيدعو إلى تعميق العمق العربي والإسلامي، وتفعيل البعد الإنساني العالمي، واستمرار التواصل مع الحركات الشعبية والقوى الدولية التي دعمت غزة خلال الحرب. ويولي أهمية خاصة لمعركة السردية، من خلال ترسيخ الرواية الفلسطينية وإنشاء مؤسسات تحفظ الذاكرة الجمعية وتمنع تزوير الرواية. كما يؤكد على أهمية المسار القانوني الدولي، عبر ملاحقة الاحتلال وقادته أمام محاكم العدل والجنايات والمحاكم الوطنية.

ويُختتم الفصل بالإشارة إلى تثمين دور الوسطاء الإقليميين في قطر ومصر وتركيا، والدعوة لتعزيز العلاقات مع القوى الدولية الكبرى الداعمة للحقوق الفلسطينية مثل روسيا والصين، باعتبارها موازنا جزئيا للانحياز الغربي لإسرائيل.

وفي المقابل تبنى الفصل أولويات واسعة من قبيل: انسحاب كامل من غزة، إعمار شامل، إدارة وطنية مستقلة، دون التطرق إلى المعضلات الواقعية التي ستواجه أي محاولة لترجمة هذه الأولويات إلى سياسات قابلة للتطبيق. وفي ملف إعادة ترتيب البيت الداخلي، طرح إعادة بناء منظمة التحرير والانتخابات العامة بوصفها أولوية، لكنه لم يتوقف عند العوائق السياسية والمؤسسية العميقة التي عطّلت هذا المسار لعقود.

مزايا وتحديات
لقد قدم الكتيب سردية متكاملة لطوفان الأقصى باعتباره لحظة فاصلة في التاريخ الفلسطيني المعاصر أعادت تعريف الصراع، وكسرت كثيرا من المسلمات السياسية والأمنية التي حكمت الإقليم لعقود. ويُحسب له أنه لم يحصر الطوفان في بعده العسكري، إذ وسّع دائرته ليشمل الوعي العالمي، والتحولات في الرأي العام، والسردية الأخلاقية، والمسار القانوني، والارتدادات داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه. ومن هذه الزوايا، نجح الكتيب في أداء وظيفته الأساسية المتمثلة في إعادة إنتاج الرواية الفلسطينية الداعمة للطوفان.

وعلى مستوى البناء العام، يتسم الكتيب بتدرج منطقي يبدأ بتفكيك الجذور التاريخية والسياسية التي أفضت إلى الطوفان، ثم ينتقل إلى توصيف الحدث نفسه، فمسار الحرب وتداعياتها، ثم الجهود السياسية، فالإنجازات، وصولا إلى النقاش حول مكانة حماس وأولويات المرحلة المقبلة.

وفي المقابل، فإن أبرز نقاط ضعف الكتيب تتمثل في محدودية الاشتباك مع الأسئلة الصعبة التي تطرحها قطاعات اجتماعية خصوصا في غزة. فهو يؤكد صمود الشعب والمقاومة، لكنه لم يناقش كلفة هذا الصمود، ولم يفتح نقاشا حول معضلات ما بعد الحرب مثل الإعمار المشروط، وإدارة غزة تحت ضغط دولي، والانقسام الفلسطيني المزمن.

وفيما يتعلق بالبعد الدولي، يراهن الكتيب على التحولات الأخلاقية والقانونية عالميا. فصحيح أن طوفان الأقصى أحدث زلزالا في الرأي العام، وأن المسار القانوني الدولي حدثت به اختراقات غير مسبوقة، لكنّ هذه التطورات ليست مسارا تصاعديا شبه حتمي، فالقوى المهيمنة لديها مرونة وقدرة على امتصاص الصدمات، كما يمكن أن يتراجع هذا الزخم العالمي مع تغير السياقات السياسية والإعلامية.

وفيما يخص طرح أولويات المرحلة المقبلة، يتقدم الكتيب برؤية مبدئية أخلاقية ووطنية، لكنه يبقى أقرب إلى إعلان مبادئ منه إلى خارطة طريق. فالأهداف واضحة، لكنّ الأدوات وآليات التنفيذ غائبة أو مؤجل الحديث عنها.

ومع ذلك، لا يمكن قراءة هذه الملاحظات بوصفها تقليلا من قيمة الكتيب، فهو وثيقة تهدف إلى تثبيت معنى الطوفان في الوعي الفلسطيني والعالمي، وإغلاق الباب أمام محاولات عزله أو تشويهه أو اختزاله، ولعله يمثل نقطة انطلاق لنقاش مستقبلي أعمق لتحديد مسارات ما بعد الطوفان عبر الاشتباك مع الأسئلة الحرجة التي أسفرت عنها المعركة.

أحمد مولانا - الجزيرة

The post كتيب حماس الجديد عن الطوفان.. ماذا تناول؟ وماذا تجاهل؟ appeared first on أخبار الساعة من لبنان والعالم بشكل مباشر | Lebanonfiles | ليبانون فايلز.



إقرأ المزيد