بيروت تايم - 2/12/2025 4:19:23 PM - GMT (+2 )


شكلت الثورة نواة لتحديات جديدة في العلاقات الدولية، خاصة فيما يتعلق بالهيمنة الغربية، وأدت إلى ظهور نظام دولي جديد يعكس تغيرات جوهرية في موازين القوى.
أول المتغيرات التي أحدثتها الثورة كان تحدي الأيديولوجيا الغربية التي كان يلتزم بها شاه إيران المخلوع، حليف الغرب محمد رضا بهلوي، عبر رفع شعار “لا شرقية ولا غربية”، وتبني مفهوم ديني هو “ولاية الفقيه” التي جعلت من الولي الفقيه صانعًا وناظمًا للقرار الرئيسي في شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وقائدًا شيعيًا عالميًا. وفرت الثورة الإيرانية، مع الحركات الإسلامية الأخرى، طوقًا مساندًا كان له تأثير في تأسيس معادلات يُحسب لها حساب إقليميًا ودوليًا.
الولايات المتحدة كانت أول من أدرك مؤشرات مخاطر هذا التحول، واعتبرته تهديدًا كبيرًا لمصالحها في المنطقة. ووصف مستشار الأمن القومي الأمريكي زبغنيو بريجنسكي آنذاك انتصار الثورة بأنه “زلزال جيوسياسي” و”ولادة قوة أيديولوجية جديدة معادية للغرب، تمتلك القدرة على إلهام الحركات الإسلامية في المنطقة والعالم”، و”شكلت الثورة الإسلامية تحدياً خطيراً للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط”، و”أحد أهم التحولات الاستراتيجية في القرن العشرين”.
توقعات بريجنسكي انعكست مباشرة في اقتحام الثوار الإيرانيين السفارة الأمريكية (وكر التجسس)، وإغلاق السفارة الإسرائيلية وتحويلها إلى سفارة لفلسطين. ما دفع وزير الحرب الإسرائيلي موشيه دايان في ذلك الوقت إلى وصف انتصار الثورة بأنه “زلزال عظيم هز المنطقة، وستكون له تداعيات سيئة على إسرائيل، وسيزيد من التهديد العسكري لها على جبهتها الشمالية والشرقية”.
تحولت إيران من حليف تابع لأمريكا، إلى عدو لدود يتحدى هيمنتها ويصفها بالشيطان الأكبر، مما وضع المنطقة على أعتاب تحولات جذرية.
وحّدت إيران الثورة إلى حد كبير القوى الإسلامية العالمية، لا سيما قوى وحركات “الإسلام السياسي” بجناحيه السني والشيعي، عبر إعادة ترتيب العلاقات والتنسيق بينها، تحت هدف استراتيجي هو الوحدة الإسلامية وتحرير فلسطين. فتعزز العمل الجهادي ضد الاحتلال وداعميه، ما شكّل جبهة كبرى في المنطقة والعالم، تناضل من أجل هذا الهدف، وتعمل على إسقاط المشاريع والمؤامرات المناهضة له. ومن أمثلة ذلك: حزب الله، والمقاومة الفلسطينية، واليمن، والعراق، وسوريا، وغيرها.
دعم إيران لقوى المقاومة في المنطقة، إضافة إلى التطورات الأخرى مثل سقوط نظام صدام حسين، والاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان الجارتين لإيران، و”الربيع العربي”، والاجتياح الداعشي للعراق وغيرها، حوّل إيران إلى لاعب إقليمي ودولي.
إقرأ أيضاً..الاحتفال بالذكرى الـ46 لانتصار الثورة الإسلامية في جنيف
زاد في دور إيران تمكّن حلفائها من فرض معادلات عسكرية على الاحتلال الإسرائيلي، وتحوّل حزب الله واليمن إلى قوى إقليمية مهمة ولاعب أساسي في المنطقة. فاستطاعت إيران مع حلفائها إسقاط مشاريع غربية كبرى في المنطقة، بينها تقسيم سوريا، وفرض “صفقة القرن”، ومشروع الشرق الأوسط الجديد. وعليه، لم يعد بإمكان اللاعبين الدوليين، حتى روسيا والصين، تجاوز دور إيران. فصارت الصين وروسيا صديقين داعمين لإيران في المحافل الدولية على أساس تبادل المصالح المشتركة.
أصبحت إيران الثورة دولة ذات قوة رادعة، بقدراتها العسكرية والتكنولوجية المتقدمة والمتطورة المصنعة بأيدٍ وخبرات محلية، الأمر الذي مكّنها من حماية منجزاتها المختلفة، ومن بينها البرنامج النووي، فبات البرنامج ورقة قوة وضغط في المفاوضات مع الدول الكبرى (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين). زاد هذا الردع مع الإعلان عن وصول إيران إلى “عتبة الدولة النووية”، وهذا ما وضعها في قلب المعادلات الدولية كلاعب مؤثر ومتأثر.
كسرت إيران حلقة الحظر الأمريكي بالاعتماد على الاكتفاء الذاتي والالتفاف على العقوبات، وتحولت إلى مدرسة للدول الأخرى الساعية إلى التخلص من العقوبات الأمريكية. الأمر الذي أكسبها نقطتين: الأولى، أنها أصبحت دولة مستقلة تلعب دورًا محوريًا في تغيير المعادلات الدولية الاقتصادية والسياسية باستخدام أسلحة غير تقليدية كأدوات مواجهة الحصار والتفاوض، والثانية، عززت علاقاتها مع الدول المعادية لأمريكا.
شاركت إيران الثورة في تغيير الموازين الدولية اقتصاديًا، مع الحلفاء الدوليين، ومن بينهم روسيا والصين، اللتين وقعت معهما اتفاقيات استراتيجية شاملة طويلة الأمد لمدة عشرين سنة. فإيران وروسيا والصين هم أعضاء في منظمتي بريكس وشانغهاي، الساعيتين إلى تحطيم الأحادية الاقتصادية للولايات المتحدة وتغيير التوازنات الاقتصادية الدولية وتهديد الدولار كعملة حاكمة عالميًا. لذا هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بريكس إن هي استبدلت الدولار كعملة دولية، ما دل على حجم الخطر الذي يتهدد السياسات الاقتصادية الأمريكية عالميًا.
إشارة إلى أن بريكس تخطت بقدراتها الاقتصادية مجموعة السبع التي تتزعمها أمريكا، فهي تشكل من الناتج المحلي العالمي “في العام 2023، 37.4%، بينما حصة مجموعة السبع 29.3%. والفجوة تتسع وتزداد، وهذا أمر لا مفر منه”، بحسب ما يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومع انضمام إيران وخمس دول أخرى إلى بريكس، هي السعودية ومصر والإمارات والأرجنتين وإثيوبيا، ستزداد هذه الحصة وتهدد على المدى المنظور دور مجموعة السبع. أما حصة منظمة شانغهاي من الناتج المحلي العالمي للعام 2024، فقد بلغت 23.3%.
لا تقتصر العلاقات الإيرانية الصينية الروسية على العضوية في بريكس وشانغهاي، بل هناك مشاريع ثنائية استراتيجية على المستوى الاقتصادي، كمشروع شمال-جنوب، ومشروع الحزام والطريق الصيني، بما يقوض العقوبات الغربية على صادرات إيران وروسيا والصين.
تعطي الشراكة الاقتصادية الإيرانية الروسية الصينية قوة لإيران على خطين: الأول داخلي في مواجهة العقوبات وإحباطها، والثاني مشاركة في تغيير الموازين الاقتصادية الدولية الغربية المهيمنة، وتمهيد لفرض معادلات تغييرية وبناء نظام عالمي اقتصادي متعدد الأطراف أكثر توازنًا.
من خلال ما تم عرضه، يظهر أن إيران الثورة شكلت نقطة فارقة في تغيير النظام الدولي المعاصر، وأصبحت محورًا أساسيًا في الصراع على التعددية القطبية والاحتلال الإسرائيلي، وأحد اللاعبين الرئيسيين في تشكيل موازين القوى الإقليمية والدولية على مختلف الصعد، وباتت دولة صاعدة كبيرة يُحسب لها حساب في التوازنات العالمية. كما أن الدعم الإيراني للمقاومة في المنطقة، ومشاركتها العسكرية المباشرة وغير المباشرة في أزمات المنطقة المختلفة، وتوجهاتها النووية، ساهمت في إحداث تغييرات في الشرق الأوسط وفي إحباط مشاريع كبرى خطرة، وجعلت اسم إيران يُقرن دائمًا باسمي روسيا والصين (العظمتين) في سياق المواجهة القطبية. كما كان لإيران مساهمة في إعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط، وتشكيل التحالفات الجديدة فيه. أخيرًا، شكلت إيران مدرسة في مواجهة سياسات الولايات المتحدة والصراع معها، وبناء نظام قادر على التغيير من أجل عالم أفضل.
*د. حكم مهز
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.alalam.ir
بتاريخ:2025-02-12 18:02:00
الكاتب:
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
إقرأ المزيد