التزوير في دفاتر السّوق... شبكة فساد تهدّد حقوق المواطنين
لبنانون فايلز -

يوماً بعد يوم، تنكشف في لبنان فصول جديدة من فسادٍ لم يعد يختبئ في الزوايا المظلمة، بل تمدّد إلى داخل المؤسسات التي يُفترض أنها الأكثر خضوعا للرقابة الرسمية، والأكثر ارتباطا بأمن المواطن وحقوقه. من هنا، ما تبيّنه الوقائع الحديثة ليس مجرد خلل إداري عابر، بل انهيار منظّم يضرب القواعد الأساسية، لعمل دوائر تُفترض أنها صلبة ومحصّنة: من النافعة التي تمسك بمفاصل المرور والمعاملات الحساسة، إلى الأجهزة الأمنية التي يُفترض أنها تحفظ ملفات الناس وتتابع مذكراتهم وإجراءاتهم القضائية من دون ثغرة.

في جميع الأحوال، النافعة لم تكن يوما مجرد دائرة حكومية، بل مغارة علي بابا للفساد في قلب بيروت كما تُوصف، حيث تتحرك فيها شبكات السماسرة والمتواطئين من الموظفين بلا رقيب، يستغلون كل ثغرة لإصدار دفاتر سوق مزوّرة وهوية مضللة.

في الأوزاعي والدكوانة، المواطن العادي يصبح كبش محرقة للطاقم الفاسد، ويُجبر على طرق غير قانونية لاستعادة حقوقه، بينما تبقى المؤسسات الرسمية عاجزة عن حماية أوراقه وحقوقه القانونية، وكأنها مسرح لمسرحية فساد لا تنتهي. كل معاملة رسمية هنا تحمل معها مخاطرة، وكل وثيقة تبدو وكأنها رهينة بين أيادي مافيا بيروقراطية لا ترحم.

الخلل الاداري!

وعلى هذا الأساس، لم يعد الخلل الإداري مجرّد تفصيل يمكن تجاوزه، بل بات وجهاً آخر للانهيار الذي تراكمت جذوره عبر سنوات من الفساد والمحسوبية. والأخطر أن يتعرّف المواطن على الفساد صدفة، لأن ذلك يعني أن الفوضى وصلت حدا يجعل الوثيقة الرسمية، التي تمنحه موقعه القانوني مهددة بالضياع أو الإهمال أو حتى التلاعب، في مؤشر واضح على أن إصلاح ما تراكم لم يعد مسألة إجراءات، بل يحتاج إلى إعادة بناء شاملة لمنظومة فقدت أسسها.

المواطن كبش محرقة!

ومن هذا المنطلق، ومع توالي الشكاوى التي وصلت إلى "الديار" من مواطنين فوجئوا بأن دفاتر السوق التي يحملونها منذ نحو ثلاث سنوات، والتي ضاعت منهم نتيجة عمليات سرقة أو فقدان بسبب المرحلة التي مر بها لبنان، بدءا من الازمة الاقتصادية مرورا بارتفاع سعر الدولار، وصولا الى الحرب الاسرائيلية، غير موجودة أصلاً في سجلات الدكوانة والأوزاعي تحديدا، بحسب ما كشفه مواطنون لـ "الديار"، وأنها كانت مزوّرة منذ البداية، لذا برزت موجة جديدة من الهواجس حول حجم الثُغر التي يتسلل منها السماسرة داخل أكثر الدوائر حساسية.

من زاوية ثانية، باتت تكلفة استخراج دفتر جديد تتراوح بين 450 و500 دولار نقدا، في مؤشّر إلى استغلال فجّ ينشط عبر شبكات، تعمل على خطوط تماس مباشرة مع موظفين، وغالبا ما يكون هؤلاء عبارة عن شخصيات وهمية، ويتمركزون بشكل أساسي في الاوزاعي والدكوانة.

لذلك، دفعتنا هذه الشكاوى إلى طرح سلسلة تساؤلات على وزارة الداخلية، تمحورت حول: الدفاتر المزوّرة، الآلية التي ستعتمدها الوزارة لمعالجة هذه المسألة؛ إضافة الى الخطوات المرتقبة للحد من هذه الظاهرة، التي أضحت خطرة وتستهدف شريحة واسعة من الناس.

"الداخلية" تتحرك ضد المتجاوزين!

وفي هذا السياق، يؤكد مصدر في وزارة الداخلية لـ "الديار" أن "القوى الأمنية تمكنت من إلقاء القبض على شخصين، تمكنا من إيهام عدد من المواطنين بإمكان تزويدهم بدفاتر سوق مقابل مبالغ مالية، من دون أن يضطر الشخص إلى الخضوع لامتحان السوق أو المرور عبر الإجراءات الرسمية. وفي الوقت نفسه، تتم ملاحقة آخرين متورطين في هذه العمليات الاحتيالية، في إطار جهود الوزارة لضبط هذا الأمر".

ويشير المصدر إلى أن "وزير الداخلية احمد الحجار يتعامل بحزم مع هذا الموضوع، وأن الوزارة حذرت المواطنين في بيان سابق لها من الوقوع ضحية هذه الممارسات، وتؤكد من جديد ان منح رخص السوق لا يمكن أن يتم إلا وفق الأصول المرعية الإجراء".

عدد الضحايا يرتفع يوما بعد آخر!

من جانب آخر، تقول السيدة كاتيا ق. لـ "الديار": "قبل سنة تقريبا تعرضت للسرقة، وفقدت حقيبتي التي كانت تضم دفتر السوق وهويتي الشخصية. وقد تمكنت من استخراج هوية جديدة بدلا عن الضائعة، وتوجهت قبل أيام لاستصدار دفتر سوق جديد. لكن الصدمة الكبرى جاءت عندما اكتشفت أن دفتري مزور، وغير مسجل أصلاً في سجلات الدكوانة أو الأوزاعي".

وتتابع: "ثمة شبكات سماسرة متواطئة مع بعض موظفي الدوائر الرسمية، الذين طمأنوها بأنها تستطيع استصدار الدفتر عن طريقهم، وإجراء فحص السوق بالنيابة عنها. لكن هذا الإجراء الذي كان يُفترض أن يكون قانونيا وموثوقا به لم يكن إلا عملية تزوير إضافية، مكّنت السماسرة من استغلال المواطنين والموظفين غير الأكفاء، لتحقيق مصالحهم الخاصة".

بالاستناد الى ما تقدم، فإن هذه الحادثة البسيطة في ظاهرها، تكشف شبكة فساد منظمة داخل النافعة لا سيما الاوزاعي، حيث المواطن لا يجد أمامه سوى عبثية النظام، وثُغر تمكن السماسرة من التلاعب بالمستندات الرسمية، في حين تظل الجهات المعنية عاجزة عن حماية حقوقه.

على كل حال، إنها صورة قاتمة عن واقع أصبح فيه المواطن مرغما على الاعتماد على طرق غير قانونية لاستعادة حقوقه، وسط غياب الرقابة الحقيقية على المؤسسات، التي يفترض أنها الضمان الأخير لأمنه القانوني.

ندى عبد الرزاق - الديار

The post التزوير في دفاتر السّوق... شبكة فساد تهدّد حقوق المواطنين appeared first on أخبار الساعة من لبنان والعالم بشكل مباشر | Lebanonfiles | ليبانون فايلز.



إقرأ المزيد